عدنان بن عبد الله القطان

18 شعبان 1444 هـ – 10 مارس 2023 م

——————————————————————————-

الحمد لله الذي منَ على من شاء بنعمة الأولاد، وجعلهم فتنة ليتبين بها الشاكر الذي يقوم بحقهم، ويصونهم عن الفساد، والمهمل الذي يضيعهم ويتهاون بمسئوليتهم، فيكونون عليه نقمة وحسرة في الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحكمة البالغة والحجة القائمة على العباد، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، حمل الآباء والأمهات مسئولية تربية البنين والبنات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونَفسي بتَقوى الله تعالى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: أولادُنا فلذاتُ أكبادنا، وثمارُ قلوبنا، وبهجةُ نفوسِنا، هم سراج البيوت وأنوارُها، ورياحين الحياة وزينتُها، نحن لهم أرضٌ ذليلة، وسماء ظليلة، إن طلبوا أعطيْناهم، وإن غضِبوا أرْضيناهم.

الأولاد من البنين والبنات نعمةٌ وأمانة، لوالديهم غُنمُها وعليهم غُرمُها… ولذا؛ كانت تربية الأولاد من البنين والبنات، وصيانتهم والمحافظةُ عليهم، من أعظم الأمانات على كلِّ أبٍ وأم ذاقَا  حلاوةَ الذرِّيَّة؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ) وفي الحديث الصحيح يقول النَّبيُّ  صلَّى الله عليه وسلَّم :(كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مسئول عَنْ رَعِيَّتِهِ،َ الرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مسئول عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا ومسئولة عَنْ رَعِيَّتِهَا) عباد الله: إنَّ الحديث عن أهميَّة تربية الأولاد من البنين والبنات تربيةً إسلاميَّة صحيحة، ليتأكَّدُ في هذا الزَّمن الذي كثُرت فيه المغريات، وادلهمَّت فيه الشُّبهات، وأصبحت البيوت تُغْزَى بثقافات وسلوكيَّات لَم يعْهدْها الآباء والأمهات والمربُّون من قبل.

أصبحتَ وأنت في بيتِك وبيئتك لا تتحكَّم في تربية أبنائِك وبناتك من كثْرة الإغراءات والإغْواءات التي تُمطرنا بها الفضائيَّات ومواقع الإنترنت، ووسائل الاتصالات الحديثة… إنَّ مسؤوليَّة التَّربية – أيُّها الآباء ويا أيتها الأمهات – ليس بضْع كلِمات تُقال ثمَّ تنتهي بعدها المسؤوليَّة، كلاَّ؛ بل مشوارُ التَّربية رحلةٌ طويلة، وجهد مستمرّ، وتحسّس دائم للطرُق الصَّحيحة في التعامل مع الولد والبنت في مراحل حياةِ عمرهما.

ومن التَّربية الصائبة معرفة الطرُق الخاطئة في التعامل مع الأبناء والبنات، إذْ إنَّ الخطأ في تربية الأبناء ربَّما أدَّى إلى عواقبَ مؤسفة في نشأتهم وحياتهم ومستقبلهم… فيا أيها المربي المباركُ، أَرْعِ لنا سمعَك، واستجْمِع معنا قلبَك إلى حديث الأخْطاء – وكلّنا والله ذلك الخطَّاء -أستمع إلى (لاآتٍ) ستٍّ، نتعرَّف عليها لنحذرها، ونتِّقي آثارَها السيِّئة بعد ذلك

اللاء الأولى: لا للعسْكرة: أيُّها المربي المبارك (أبا أو أماً أو وصياً أو أستاذاً) لا تجعل علاقتَك مع ولدك وبنتك علاقة عسكريَّة، علاقة قائمة على الأمر والنَّهي، والطَّلب والكفّ، فالولد لا يعرف من والدِه وأمه إلاَّ لغة اللوم والعَتْب والتقريع والتَّبكيت والتسخّط، هذا الفقْر في المشاعر، والجفاء في الأحاسيس يُحْدِث صدمات انعكاسيَّة في نفس الولد والبنت… فما أجمل أن يرى الأبناء والبنات محبَّة والدِيهم ظاهرة في كلماتهم، ونظراتهم، وأفعالِهم، وحنانهم! تذكّرْ أيها المربي- يا رعاك الله – أنَّ الكلِمة العاطفيّة الطيّبة، التي ترنُّ في أذُن طفلك هي البذرة الطيّبة، التي تؤتي أكُلَها كل حين بإذْن ربِّها. وخير البشر محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، كانت تظهر منه مشاعر المحبَّة لذريَّته حتَّى أمام الآخرين؛ قبَّل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم سبطيْه الحسن والحسين أمام النَّاس، فرآه أحدُ الجفاة الأعراب، فقال: أتقبِّلون صِبْيَانَكم؟ إنَّ لي عشرةً من الولد ما قبَّلتُ واحداً منهم قط! فقال الرؤوف الرَّحيم: (إنَّ مَن لا يرحم لا يُرحم)

وإذا كانت العلاقة بين الوالد وولده تُظلِّلُها المحبَّة، وتكتنِفها الألفة، ويغشاها الوداد، كانت للنَّصائح أثرها، وللتوجيهات استجابتُها.

اللاَّء الثَّانية: لا تقطع أيها المربي حبل التَّواصُل: أي: تواصلك مع ابنِك وبنتك وجلوسك معها، وسماعك لهما، لا تتعذَّر – أيها المربي – بالمشاغل وكثرة الارتباط؛ فولدك وبنتك بِحاجةٍ أن تنفق عليْهما من وقتك أكثر من مالك، كن كذلِك قبل أن تتخطَّفهما رفقة السوء. كن كذلك قبل أن يشتدَّ عود الولَد، والبنت ويصعب حينها التَّصارُح والمصارحة.

إنَّ وجود الأذُن المصْغية للطِّفل تقوِّي وشائج المودَّة وتبني جسراً من الثِّقة تُجاه الأب والأم، فيرى الولد والبنت في والديهما متنفَّساً لهمومهما وطبيباً لمشكلاتهما ودليلاً لحيرتهما واضطراباتهما، وقد أوْصت دارساتٌ نفسيَّة واجتماعيةٌ عدَّة، بأهمية التفاعل بين الأبناء والبنات وآبائِهم وأمهاتهم وتأثير ذلك في تنشئتِهم الاجتماعيَّة وفي الارتِقاء بشخصيَّاتهم، وبخاصَّة في السنوات الأولى من العمر.

اللاَّء الثالثة: أيها المربي، لا تقارِن: من الخطأ إذا قصَّر الابن أو البنت في أمرٍ ما، أن يُوبَّخ بسلسلةٍ من المقارنات: انظر إلى فلان، أو أنظري إلى فلانة، لماذا لا تكن مثل فلان، أو تكوني مثل فلانة؟ فلانٌ أفضل منك، أو فلانة أفضل منك.. هذا الانتِقاد يُحدث إحباطاً في نفس الطفل وشعوراً بالدونيَّة، فيكون له أثرُه في ضعف شخصيَّته، وفَقْد الثقة بنفسِه، فضلاً عما يسبِّبهُ هذا الأسلوبُ من تفجُّر الغيرة المحبوسة في قلب الطفل تُجاه مَن يُقارن به… تخيَّل أيُّها المربي، لو استُخدِم معك هذا الأسلوب، ألا تُحدث لك هذه المقارنةُ توتُّراً في ضميرك؟ فكذلك فلذةُ كبِدك يَحمل بين جنبيْه نفساً كنفسك، تغضب وترضى، تحب وتكره. فيا أيُّها المربي: اقْلع شجرة المقارنات من ترْبَة تربيتِك، وازْرَع مكانَها بذرة الأمل، واسقِها بالتَّشجيع، وتعاهدْها بالحثِّ على الكِفاح والنضال.

اللاء الرَّابعة: أيها المربي، (أبا أو أماً أو وصياً أو أستاذاً) لا تفرِّق بين الأولاد والبنات: اجعل أبناءك وبناتك كأسنان المشْط، لا تميِّز أحداً على أحد، حتَّى ولو امتاز بذكاءٍ، أو فصاحةٍ، أو جمال.. العدل بين الأولاد واجبٌ شرعي؛ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (اتَّقوا الله واعدِلوا بين أولادِكم). كم من المآسي عاشتْها بعض البيوت بسبب هذا التمييز الأخرق بين الأولاد والبنات! ترى البعض يستخدم المتناقضات في تربيتِه لأولاده، فيمدح هذا ويهجو ذاك، ويُعطي الأول ويمنع الثاني، ويُرضي الأصغر ويُسْخِط الأكبر؛ ممَّا يؤجِّج نار الغيرة، ويولِّد روح العداء بين الأولاد والبنات فتكون ثمرته عقوقَ الأبناء تجاه الآباء والأمهات؛ قال صلَّى الله عليه وسلَّم  للصحابي بشير بن سعد رضي الله عنه، وقد جاء يُشهِده على عطية لأحد أبنائه: (لا تُشهدْني على زور)، وقال له أيضاً: (أيسرُّك أن يكونوا لك في البِرِّ سواءً؟) قال: نعم، قال: (فلا إذًاً).

اللاء الخامسة: لا تكن يتيمَ المعاملة: تذكَّر   أيها المربي أنَّ الخلق متفاوتون في عقولهم، وتفكيرهم، ودمائهم، وأمزِجتهم؛ فطبيعي أن يوجد هذا الاختلاف بين الأولاد والبنات فمِنهم الذكي النجيب، ومنهم مَن هو دون ذلك، منهم سريع الاستجابة، ومنهم البطيء، منهم الهادئ، ومنهم المستعجل. فنوِّع معاملتك، وعدِّد أسلوبك بما يتناسب مع طبع الولد أو البنت وعقلهما، وهذا التنويع في التوجيه والتربية أسلوبٌ نبويٌّ، فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم ينوِّع أساليبَه في التوجيه بما يناسبُ حال المنصوح.

ومن تنوُّع المعاملة أن تدرك أيُّها المربي الكريم أنَّ ولدك وبنتك، منذ صغرهما حتَّى يشُبَّا، يمرُّان بمراحلَ عدَّة، ولكل مرحلةٍ ما يناسبها في التربية والتوجيه.. فلا تعامل ولدك وبنتك، وهو في سنِّ التَّمييز معاملةَ ابن السنَتين، لا تعامل ولدك وهو على أعتاب مرحلة الثانوية معاملةَ المبتدأ في التعلُّم والتعليم.

الضرب غير المبرح وغير المؤذي مثلاً مع الصغير يُصلحه ويؤدِّبه، ومع المراهق قد يَبني بين الوالد وولدِه جسراً من الجفاء والنّفرة، فلكل مرحلةٍ أسلوبُها وطريقتها.. ومن وحْي السنَّة النبويَّة الدالِّ على هذا التصرف: قوله صلى الله عليه وسلم: (مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ).. وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الرِّفقَ لا يكونُ في شيء إِلا زَانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شيء إِلا شانَهُ) اللاء السادسة: لا تكن أيها المربي قاسياً ولا مدلِّلاً.. كُن سهلاً من غير تفريط، وحازماً من غير إفراط، فالقسوةُ والتَّدليل طرفا نقيضٍ، وكلاهما في التربية ذميم؛ فبعض الآباء والأمهات تغلُب عليهما رقَّةُ الأبوُّة وعطفُ الأمومة، فيعيش طفلُهما في كنفهما حياةَ الدلع والدلال. فأوامر الطفل منفَّذة، وطلباته منْجزة، ورغباته حاضرة، وكلمة (لا) لَم ولن يسمعها هذا الطِّفل المدلَّل. وهذه آفة تربويَّة لها ما بعدها من السلوكيَّات الخاطئة التي يتطبَّع عليْها الطِّفْل، من عدم الشُّعور بالمسؤوليَّة، والاتِّجاه نحو الميوعة، وظهور الأنانيَّة على أخلاقِه… وفي المقابل: فإنَّ بعض الآباء يُغلِّب حدَّةَ الطبع، فَيُفْرِط في القسوة؛ معلِّلاً قسوتَه بطلب المثالية، وليصبحَ ولدُه بعدها رجلاً، ونسِي أو تناسى الآثارَ السلبيَّة المنتظرة من هذه القسوة، وانعكاسَها على شخصية الولد، والبنت كالتمرُّد على الأسرة، وتحوُّل الطفل إلى شخصيَّة عدوانيَّة، أو إصابته بصدمات نفسيَّة. نعم، قد تكون القسوة والحزْم نوعاً من العلاج والتَّربية، كما قال الشاعر:

فَقَسَا لِيَزْدَجِرُوا وَمَنْ يَكُ حَازِماً

                                       فَلْيَقْسُ أَحْيَاناً عَلَى مَنْ يَرْحَمُ

بيْدَ أنَّ هذه القسوة ليست هي الأصلَ، بل هي آخرُ العلاج، ولا تكون إلاَّ بعد محاولات الرِّفْق واللين، وتكون بالشَّكل المعقول والمقبول، تكون للبناء لا للهدْم، وللتوجيه والتقويم، لا للفظاظة والانتِقام، وفي مُحْكَم التَّنزيل:(وَلَوْ كُنْتَ فَظًّاً غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)… اللهم أعنا على تربية أولادنا وبناتنا، اللهم اجعلهم لك من الطائعين وعن نهيك مبتعدين، اللهم اجعلهم هداة مهتدين، (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً)

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي منّ علينا بنعمة الأولاد، وفتح لنا من أسباب الهداية كل باب، ورغب في طريق الصلاح وحذّر من طرق الفساد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل الخلق بلا ارتياب، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمَّا بعد: فيا أيها المسلمون: ومن أهمِّ وسائل إصلاح النشْء التربية بالقدْوة: تربيةٌ صامتة، ولكنَّ أثرها أعظم من كل توجيه، فالطفل منذ صغره وضعفه مفطورٌ على محاكاة مَن هو أكبر منه، فأنتَ أنت يا عبد الله صورةٌ حيَّة لأولادك، فانظر ماذا ترسم في شخصيَّتهم من خلال قولك، وسَمْتك، وفعلك.

مَشَى الطاووسُ يوماً باعْوجاجٍ

                                      فقلدَ شكلَ مشيتهِ بنُوهُ

فقالَ علامَ تَختَالُونَ؟ قالوا:

                                     بدأْتَ به ونَحنُ مُقلِّدوُهُ

فخالِفْ سيركَ المعوجَّ واعدلْ

                                      فإنا إن عَدًلْتَ مُعَدِلُوهُ

أمَا تدري أبانا كلُّ فرعٍ

                              يُجاري بالخُطى من أدَبُوُهُ؟

وينشَأُ ناشئُ الفتيانِ منا

                                  على ما كان عوَّدَهُ أبُوُهُ

وَمَا دَانَ الفَتَى بِحِجًى وَلَكِنْ 

                          يُعَوِّدُهُ      التَّدَيُّنَ      أَقْرَبُوهُ

القدوة الحسنة يا أهلَ الإيمان ليستْ كلِمات تقال، بل هي سلوكٌ وأفعالٌ.. شرخٌ في جدار التربية أن تنهَى طفلك عن الخطأ وتأتي مثلَه، عارٌ عليْك عظيم أيها المربي أن تنهَى ولدك أو بنتك عن النَّظَر للحرام ثمَّ يراك مُرْسِلاً طرْفَك للحسناوات والمليحات… مَن هجَر المسجِد والجمع والجماعاتِ، لا ينتظِر مِن ولده أن يكون من أهل الصَّلاة، ومَن هيَّأ لنفسِه وبنيه جوَّ المعاصي والمحرَّمات، لا ينتظِر من أولاده أن يكونوا من أهل التُّقى والعبادات.

عار عليك أيتها الأم والمربية أن تنهي أبنتك عن التصرفات المشينة، واللباس الخليع غير المحتشم، وأنت لا تبالين بتعاليم الإسلام، وأوامره، ونواهيه وآدابه.

أيها المربي: لا تكن القيمُ والمثُل التي تُسقى للأبناء في الصَّباح، تُحرِقُها الأفعال في المساء.. القدوة الحقَّة يا عبدَ الله أن يرى فيك ولدُك أثر توجيهك وقولك، يرى الابن والبنت خوفَ الله ورجاءَه، وتعظيمَ حرُماته، والوقوفَ عند حدوده ماثلاً في حال وحياة أبيه وأمه.

أيها الآباء الكرام، ويا أيتها الأمهات الكريمات: ومن أعظمِ أسبابِ صلاحِ الذريَّة وفلاحِها: الدعاءُ الصادقُ للأولاد، ولنا في رسُل الله أسوةٌ حسنة؛ فقد سجَّل لنا القرآن الكريم ابتهالاتٍ عظيمةً، ودعواتٍ جليلةً تضرَّع بها أنبياءُ الله تعالى لأولادِهم.

فهذا خليلُ الرَّحمن إبراهيم عليه السلام ابتهل إلى ربِّه قائلاً: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) وقال: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ) ودعا زكريَّا عليه السلام ربَّه فقال: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) ومدح الرحمن عبادَه، الذين يقولون: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) وفي الحديث قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَهُنَّ، لا شَكَّ فِيهِنَّ : دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ) وأخيراً: أيُّها المربي المبارك (أبا أو أماً أو وصياً أو أستاذاً)، تيقَّن أنَّ صلاح نفسِك واستقامتَك على دين ربِّك سببٌ لصلاح ذرّيَّتك، وحفظ عقِبِك من بعدك. وفي خبَرِ مَن غبر، حفِظ الله مالَ الغلامين حتَّى كبِرا بسبب صلاح أبيهِما. وصدق الله ومَن أصدق من الله قيلاً؟: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ، فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) اللهم أعنا على تربية أولادنا وبناتنا، وتعليمهم وتأديبهم واجعل ذلك خيراً لنا ولهم.

اللهم اجعلهم أبراراً أتقياء، واجعلهم لنا مطيعين غير عاصين ولا عاقين ولا خاطئين.

اللهم جنبهم رفقاء السوء، والفواحش والمعاصي، وحبب إليهم الطاعات، واجعلهم ممن تحبهم ويحبونك، وارزقهم حبك وحب نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وحب كل من يحبك، وحب كل عمل يقربهم إلى حبك.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم أحفظ بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا، واجعله آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.

 اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم أعنهم على أمور دينهم ودنياهم.  وهيئ لهم من أمرهم رشداً، وأصلح بطانتهم ومستشاريهم ووفقهم للعمل الرشيد، والقول السديد، ولما فيه خير البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموتَ راحةً لنا من كل شر. اللهم ارفع عنا البلاء والغلاء والوباء وسيء الأسقام والأمراض، وعاملنا بما أنت أهله، ولا تعاملنا بمن نحن أهله، أنت أهل التقوى والمغفرة.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.

اللهم اشفِ مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا..

 الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

 

   خطبة جامع الفاتح الإسلامي -عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين